كيف تعافت كلارا صديقة هايدي من الشلل ؟ فرويد يفسّر

من منّا لا يعرف فتاة الألب , هايدي !

و من منا لم يشاهد ذلك الفيلم الكارتوني الدافئ في طفولته ؟

كنت أتحرّق شوقاً كل يوم لمشاهدتها تطارد الماعز على سفوح الجبال و تحتسي وعاء الحليب كل صباح مع جدّها

هايدي هي في الأصل رواية للمؤلفة السويسرية يوهانا شيبري نشرت عام 1880 م

عن فتاة تم التخلي عنها من قبل عمتها التي تعبت من العناية بها , و ذهبت بها إلى جدها الذي يعيش وحيدا في كوخ في أعلى جبال الألب .

تدور بها الحياة حتى تجد نفسها في قصر كبير في فرانكفورت , لتعلم القراءة و الكتابة و الذوق العام

بعيداً عن حياة الرعي و الريف . و لتخفف من وطأة الحزن و الوحدة على كلارا

كلارا و و التي تعاني من الشلل النصفي الذي جعلها مقعدة منذ وفاة والدتها .

تعلقت بهايدي كثيراً حتى أنها زارتها في كوخ الجد بعد عودة هايدي إلى الجبال

و قضت أسابيع عدة مع هايدي في الرعي و قامت بتجربة حياة الجبال بعيداً عن برجوازية القصر و صرامة المعلمين

في يومٍ ربيعي دافئ , بشكلٍ مفاجئ تحاول كلارا ان تجعل قدميها تلامس الأرض لأول مره منذ سنين

و تُفاجئ هايدي و الجد و الراعي بيتر بقدرتها على المشي مجدداً !

فهل ما حدث لكلارا محض خيال في كتاب ؟ أم حقيقة علمية ؟

يقودنا ذلك إلى بداية المشكلة , و هي فقدان كلارا لأمها و من ثم الإصابة بالشلل بشكل مفاجئ !

و هذا ما يسمى علمياً بإضطراب التحول – conversion disorder .

وهو عبارة عن إضطراب نفسي , حيث أن إصابة الشخص بصدمات عصبية قوية , أو لتعامل الشخص مع القلق أو أصابته بالإكتئاب , من الممكن أن تؤثر عليه عضويا و تظهر في شكل خلل عضوي كالشلل , العمى , فقدان القدرة على الكلام , الصمم , تشنجات و غيرها من الأعراض العصبية .

قديماً كان يعتقد الأطباء و غيرهم أن من يصاب بهذه الإضطرابات ماهو إلا مُدّعٍ للمرض , و لكن بعد أن قام فرويد و جان مارتن ( علماء أعصاب ) و عالم النفس بيير جانيه بإعادة دراسة هذه الحالات طوّروا مفهوم ( الهيستريا ) و فيما بعد تم تطويره إلى مصطلح إضطراب التحول . و تم تصنيفه من ضمن الاضطرابات العصبية الوظيفية .

على غير ما قد تعتقد ، فالمريض لا يمكنه التحكم أو تثبيط هذه الأعراض ، و يستطيع الأطباء التفرقة بين المصاب بإضطراب التحول و من يدّعي المرض بسهولة .

حيث يتم تشخيصه بعد إستبعاد كل الأسباب العضوية كالجلطات و أمراض المناعة و غيرها ، و من ثم تطبيق ما ورد في الدليل التشخيصي للأمراض النفسية على المريض لكي يصل الطبيب إلى التشخيص الصحيح .

كيف يحدث ؟

مثل العديد من الإضطرابات النفسية ، مازال العلم عاجز عن توضيح طريقة حدوث هذا الإضطراب , و لكن توجد عدة نظريات و أبحاث تشرح كيفية حدوثه ..

إحدى النظريات غير المثبته بدليل ملموس ، و التي اقترحها فرويد ، تتحدث عن وجود قوى في العقل اللاواعي .. تقوم بدفع الجسد إلى التعبير عن نفسه في صورة خلل عصبي عند حدوث إي تضارب أو صراع داخلي ، مثلاً إذا أراد الشخص ضرب أحد ما ، و لكنه في قرارة نفسه يحاول منع نفسه من ذلك ، فإن عقله اللاواعي يسيطر و يتسبب بتوقف يده عن العمل و هنا يحدث الشلل ( بمحفز عاطفي ) .

( كأطباء ) فنحن نؤمن بالدليل العلمي الملموس لإثبات النظرية .. وجدت دراسة تقول بأنه و بالاعتماد على التصوير العصبي الوظيفي ، فهناك إنخفاض في نشاط المراكز الخاصة بالحركة في الدماغ عند اولئك المصابين بشلل نتيجة صدمة عاطفية ، و إنخفاض في نشاط قشرة الإبصار في الدماغ عند اولئك المصابين بالعمى لنفس السبب و هلم جرا . رابط الدراسة *

كيف ساعدت هايدي و جمال جبال الألب كلارا على التعافي ؟

يلعب العقل اللاواعي دوراً مهما في إضطراب التحول ، لذا فإن عدم وعي المريض بما في داخله من صراع قد يؤدي إلى طول معاناته مع الاضطراب ، فإنه و بطريقة ما .. عندما يتم لفت إنتباهه إلى محاولة فهم الصراع الداخلي و التضارب العاطفي الذي يدور بداخله ، قد يساعد على تحسن او حتى إختفاء الأعراض .

أيضاً , فإن حل المشكلة الأساسية ( الصدمة العاطفية ) التي تسببت بالمشكلة قد يساعد في تراجع الأعراض ، أحد الأطباء النفسيين أخبرني مرة بأن فتاة مدللة من مرضاه تعرضت و للمرة الأولى في حياتها للضرب من قبل والدها ، فأصيبت بالشلل فوراً ، بعد أن تم تشخيصها باضطراب التحول ، تمت مناقشة الأمر مع والدها حيث و بدوره بادر إلى الاعتذار منها و التودد إليها ، مما ساعد في تحسن حالة ابنته إلى حد كبير .

في حالة كلارا ، قد يعد فقدانها لأحد أعمدة حياتها العاطفية ( والدتها ) هو المسبب الرئيسي لشلل , و ساهم النمط البرجوازي في العيش في طول مدة معاناتها , وبذهابها إلى كوخ الجد في أعالي جبال الألب , حيث أغدق الجميع عليها بالحب و العاطفة و الدفء .. انتهى صراعها العاطفي و توقف عقلها الواعي عن فرض حيلته الدفاعية .

إلى جانب هذا ، قد تساهم بعض الأدوية النفسية مثب مضادات القلق و الإكتئاب في تحسن حالة المريض

عدا ذلك ، لا توجد أدوية معينة أو طرق أخرى لعلاج مريض اضطراب التحول .. حيث أن 75% من المرضى سيلاحظون بعض التحسن مع الوقت ، بينما 25% منهم سيعاني من الاضطراب لمدة قد تصل إلى 15 سنة أو سيعانون من اختفاء و عودة الاضطراب على فترات متفاوته من حياتهم . رابط الدراسة *

هل وجدت هذه المقالة مفيدة ؟

أرجو منك مشاركتها ، و التعليق بما في جعبتك من أفكار بالأسفل

يسرني اشتراكك بالمدونة ليصلك رسالة بريد بما هو جديد .